الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ***
وَأَمَّا أَمْوَالُ التِّجَارَةِ فَتَقْدِيرُ النِّصَابِ فيها بِقِيمَتِهَا من الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ فَلَا شَيْءَ فيها ما لم تَبْلُغْ قِيمَتُهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أو عِشْرِينَ مِثْقَالًا من ذَهَبٍ فَتَجِبُ فيها الزَّكَاةُ وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وقال أَصْحَابُ الظَّوَاهِرِ لا زَكَاةَ فيها أَصْلًا وقال مَالِكٌ إذَا نَضَّتْ زَكَّاهَا لِحَوْلٍ وَاحِدٍ وَجْهُ قَوْلِ أَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ إن وُجُوبَ الزَّكَاةِ إنَّمَا عُرِفَ بِالنَّصِّ وَالنَّصُّ وَرَدَ بِوُجُوبِهَا في الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالسَّوَائِمِ فَلَوْ وَجَبَتْ في غَيْرِهَا لَوَجَبَتْ بِالْقِيَاسِ عليها وَالْقِيَاسُ ليس بِحَجَّةٍ خُصُوصًا في باب الْمَقَادِيرِ. وَلَنَا ما رُوِيَ عن سُمْرَةَ بن جُنْدُبٍ أَنَّهُ قال كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم: «يَأْمُرُنَا بِإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ من الرَّقِيقِ الذي كنا نَعُدُّهُ لِلْبَيْعِ». وَرُوِيَ عن أبي ذَرٍّ رضي اللَّهُ عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال: «في الْبُرِّ صَدَقَةٌ» وقال صلى اللَّهُ عليه وسلم: «هَاتُوا رُبُعَ عُشْرِ أَمْوَالِكُمْ». فَإِنْ قِيلَ الْحَدِيثُ وَرَدَ في نِصَابِ الدَّرَاهِمِ لِأَنَّهُ قال في آخِرِهِ من كل أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ فَالْجَوَابُ أَنَّ أَوَّلَ الحديث عَامٌّ وَخُصُوصُ آخِرِهِ يُوجِبُ سَلْبَ عُمُومِ أَوَّلِهِ أو نَحْمِلُ قَوْلَهُ من كل أَرْبَعِينَ دِرْهَمٌ على الْقِيمَةِ أَيْ من كل أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا من قِيمَتِهَا دِرْهَمٌ وقال صلى اللَّهُ عليه وسلم: «وَأَدُّوا زَكَاةَ أموالكم» من غَيْرِ فصل بين مَالٍ وَمَالٍ إلَّا ما خُصَّ بِدَلِيلٍ وَلِأَنَّ مَالَ التِّجَارَةِ مَالٌ نَامٍ فَاضِلٌ عن الْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ فَيَكُونُ مَالَ الزَّكَاةِ كَالسَّوَائِمِ. وقد خَرَجَ الْجَوَابُ عن قَوْلِهِمْ إنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ عُرِفَ بِالنَّصِّ لِأَنَّا قد رَوَيْنَا النَّصَّ في الْباب على أَنَّ أَصْلَ الْوُجُوبِ عُرِفَ بِالْعَقْلِ وهو شُكْرٌ لِنِعْمَةِ الْمَالِ وَشُكْرُ نِعْمَةِ الْقُدْرَةِ بِإِعَانَةِ الْعَاجِزِ إلَّا أَنَّ مِقْدَارَ الْوَاجِبِ عُرِفَ بِالسَّمْعِ وما ذكره مَالِكٌ غَيْرُ سَدِيدٍ لِأَنَّهُ وُجِدَ سَبَبُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَشَرْطُهُ في كل حَوْلٍ فَلَا مَعْنًى لِتَخْصِيصِ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ بالوجود [بالوجوب] فيه كَالسَّوَائِمِ وَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَسَوَاءٌ كان مَالُ التِّجَارَةِ عُرُوضًا أو عَقَارًا أو شيئا مِمَّا يُكَالُ أو يُوزَنُ لِأَنَّ الْوُجُوبَ في أَمْوَالِ التِّجَارَةِ تَعَلَّقَ بِالْمَعْنَى وهو الْمَالِيَّةُ وَالْقِيمَةُ وَهَذِهِ الْأَمْوَالُ كُلُّهَا في هذا الْمَعْنَى جِنْسٌ وَاحِدٌ وَكَذَا يُضَمُّ بَعْضُ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ إلَى الْبَعْضِ في تَكْمِيلِ النِّصَابِ لِمَا قُلْنَا وإذا كان تَقْدِيرُ النِّصَابِ من أَمْوَالِ التِّجَارَةِ بِقِيمَتِهَا من الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وهو أَنْ تَبْلُغَ قِيمَتُهَا مِقْدَارَ نِصَابٍ من الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَلَا بُدَّ من التَّقْوِيمِ حتى يُعْرَفَ مِقْدَارُ النِّصَابِ ثُمَّ بِمَاذَا تُقَوَّمُ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ في شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ يُقَوَّمُ بِأَوْفَى الْقِيمَتَيْنِ من الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ حتى أنها إذَا بَلَغَتْ بِالتَّقْوِيمِ بِالدَّرَاهِمِ نِصَابًا ولم تَبْلُغْ بِالدَّنَانِيرِ قُوِّمَتْ بِمَا تَبْلُغُ بِهِ النِّصَابَ وَكَذَا رُوِيَ عن أبي حَنِيفَةَ في الأموال [الأمالي] أَنَّهُ يُقَوِّمُهَا بِأَنْفَعِ النَّقْدَيْنِ لِلْفُقَرَاءِ. وَعَنْ أبي يُوسُفَ أَنَّهُ يُقَوِّمُهَا بِمَا اشْتَرَاهَا بِهِ فَإِنْ اشْتَرَاهَا بِالدَّرَاهِمِ قَوَّمَهَا بِالدَّرَاهِمِ وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِالدَّنَانِيرِ قَوَّمَهَا بِالدَّنَانِيرِ وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِغَيْرِهِمَا من الْعُرُوضِ أو لم يَكُنْ اشْتَرَاهَا بِأَنْ كان وُهِبَ له فَقَبِلَهُ يَنْوِي بِهِ التِّجَارَةَ قَوَّمَهَا بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ في ذلك الْمَوْضِعِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُقَوِّمُهَا بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ على كل حَالٍ وَذَكَرَ في كتاب الزَّكَاةِ أَنَّهُ يُقَوِّمُهَا يوم حَالَ الْحَوْلُ إنْ شَاءَ بِالدَّرَاهِمِ وَإِنْ شَاءَ بِالدَّنَانِيرِ. وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ التَّقْوِيمَ في حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى يُعْتَبَرُ بِالتَّقْوِيمِ في حَقِّ الْعِبَادِ ثُمَّ إذَا وَقَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى تَقْوِيمِ شَيْءٍ من حُقُوقِ الْعِبَادِ كَالْمَغْصُوبِ وَالْمُسْتَهْلَكِ يُقَوَّمُ بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ في الْبَلْدَةِ كَذَا هذا وَجْهُ قَوْلِ أبي يُوسُفَ أَنَّ المشتري بَدَلٌ وَحُكْمُ الْبَدَلِ يُعْتَبَرُ بِأَصْلِهِ فإذا كان مشتري بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ فَتَقْوِيمُهُ بِمَا هو أَصْلُهُ أَوْلَى. وَجْهُ رِوَايَةِ كتاب الزَّكَاةِ أَنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ في عُرُوضِ التِّجَارَةِ بِاعْتِبَارِ مَالِيَّتِهَا دُونَ أَعْيَانِهَا وَالتَّقْوِيمُ لِمَعْرِفَةِ مِقْدَارِ الْمَالِيَّةِ وَالنَّقْدَانِ في ذلك سِيَّانِ فَكَانَ الْخِيَارُ إلَى صَاحِبِ الْمَالِ يُقَوِّمُهُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ أَلَا تَرَى أَنَّ في السَّوَائِمِ عِنْدَ الْكَثْرَةِ وَهِيَ ما إذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ الْخِيَارَ إلَى صَاحِبِ الْمَالِ إنْ شَاءَ أَدَّى أَرْبَعَ حِقَاقٍ وَإِنْ شَاءَ خَمْسَ بَنَاتِ لَبُونٍ فَكَذَا هذا وَجْهُ قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ وَإِنْ كَانَا في الثَّمَنِيَّةِ وَالتَّقْوِيمِ بِهِمَا سَوَاءٌ لَكِنَّا رَجَّحْنَا أَحَدَهُمَا بِمُرَجِّحٍ وهو النَّظَرُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْأَخْذُ بِالِاحْتِيَاطِ أَوْلَى أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو كان بِالتَّقْوِيمِ بِأَحَدِهِمَا يَتِمُّ النِّصَابُ وَبِالْآخَرِ لَا فإنه يُقَوَّمُ بِمَا يَتِمُّ بِهِ النِّصَابُ نَظَرًا لِلْفُقَرَاءِ وَاحْتِيَاطًا كَذَا هذا وَمَشَايِخُنَا حَمَلُوا رِوَايَةَ كتاب الزَّكَاةِ على ما إذَا كان لَا يَتَفَاوَتُ النَّفْعُ في حَقِّ الْفُقَرَاءِ بِالتَّقْوِيمِ بِأَيِّهِمَا كان جَمْعًا بين الرِّوَايَتَيْنِ وَكَيْفَمَا كان يَنْبَغِي أَنْ يُقَوَّمَ بِأَدْنَى ما يَنْطَلِقُ عليه اسْمُ الدَّرَاهِمِ أو الدَّنَانِيرِ وَهِيَ التي يَكُونُ الْغَالِبُ فيها الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَعَلَى هذا إذَا كان مع عُرُوضِ التِّجَارَةِ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ فإنه يَضُمُّهَا إلَى الْعُرُوضِ وَيُقَوِّمُهُ جُمْلَةً لِأَنَّ مَعْنَى التِّجَارَةِ يَشْمَلُ الْكُلَّ لَكِنْ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ يُضَمُّ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ إنْ شَاءَ قَوَّمَ الْعُرُوضَ وَضَمَّهَا إلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَضَمَّ قيمتها [قيمتهما] إلَى قِيمَةِ أَعْيَانِ التِّجَارَةِ وَعِنْدَهُمَا يُضَمُّ بِاعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ فَتُقَوَّمُ الْعُرُوض فَيَضُمُّ قِيمَتَهَا إلَى ما عِنْدَهُ من الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَإِنْ بَلَغَتْ الْجُمْلَةُ نِصَابًا تَجِبُ الزَّكَاةُ وَإِلَّا فَلَا وَلَا يُقَوَّمُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ عِنْدَهُمَا أَصْلًا في باب الزَّكَاةِ على ما مَرَّ. وَأَمَّا صِفَةُ هذا النِّصَابِ فَهِيَ أَنْ يَكُونَ مُعَدًّا لِلتِّجَارَةِ وهو أَنْ يُمْسِكَهَا لِلتِّجَارَةِ وَذَلِكَ بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ مُقَارَنَةً لِعَمَلِ التِّجَارَةِ لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ بِخِلَافِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فإنه لَا يَحْتَاجُ فِيهِمَا إلَى نِيَّةِ التِّجَارَةِ لِأَنَّهَا مُعَدَّةٌ لِلتِّجَارَةِ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إعْدَادِ الْعَبْدِ وَيُوجَدُ الْإِعْدَادُ منه دَلَالَةً على ما مَرَّ. وَأَمَّا مِقْدَارُ الْوَاجِبِ من هذا النِّصَابِ فما هو مِقْدَارُ الْوَاجِبِ من نِصَابِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وهو رُبُعُ الْعُشْرِ لِأَنَّ نِصَابَ مَالِ التِّجَارَةِ مُقَدَّرٌ بِقِيمَتِهِ من الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَكَانَ الْوَاجِبُ فيه ما هو الْوَاجِبُ في الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وهو رُبُعُ الْعُشْرِ وَلِقَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلم: «هَاتُوا رُبُعَ عُشُورِ أَمْوَالِكُمْ من غَيْرِ فصل». وَأَمَّا صِفَةُ الْوَاجِبِ في أَمْوَالِ التِّجَارَةِ فَالْوَاجِبُ فيها رُبُعُ عُشْرِ الْعَيْنِ وهو النِّصَابُ في قَوْلِ أَصْحَابِنَا وقال بَعْضُ مَشَايِخِنَا هذا قَوْلُ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَأَمَّا على قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ فَالْوَاجِبُ فيها أَحَدُ شَيْئَيْنِ إما الْعَيْنُ أو الْقِيمَةُ فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ عِنْدَ حَوَلَانِ الْحَوْلِ إنْ شَاءَ أَخْرَجَ رُبُعَ عُشْرِ الْعَيْنِ وَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَ رُبُعَ عُشْرِ الْقِيمَةِ وَبَنَوْا على بَعْضِ مَسَائِلِ الْجَامِعِ فِيمَنْ كانت له مِائَتَا قَفِيزٍ حِنْطَةً لِلتِّجَارَةِ قِيمَتُهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ فَحَالَ عليها الْحَوْلُ فلم يُؤَدِّ زَكَاتَهَا حتى تَغَيَّرَ سِعْرُهَا إلَى النُّقْصَانِ حتى صَارَتْ قِيمَتُهَا مِائَةَ دِرْهَمٍ أو إلَى الزِّيَادَةِ حتى صَارَتْ قِيمَتُهَا أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ إنَّ على قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ إن أَدَّى من عَيْنِهَا يُؤَدِّي خَمْسَةَ أَقْفِزَةٍ في الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ جميعا لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ الْوَاجِبُ من الْأَصْلِ. فَإِنْ أَدَّى الْقِيمَةَ يُؤَدِّي خَمْسَةَ دَرَاهِمَ في الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ جميعا لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أنها هِيَ الْوَاجِبَةُ يوم الْحَوْلِ وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إنْ أَدَّى من عَيْنِهَا يُؤَدِّي خَمْسَةَ أَقْفِزَةٍ في الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ جميعا كما قال أبو حَنِيفَةَ وَإِنْ أَدَّى من الْقِيمَةِ يُؤَدِّي في النُّقْصَانِ دِرْهَمَيْنِ وَنِصْفًا وفي الزِّيَادَةِ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ عِنْدَهُمَا هو رُبُعُ عُشْرِ الْعَيْنِ وَإِنَّمَا له وِلَايَةُ النَّقْلِ إلَى الْقِيمَةِ يوم الْأَدَاءِ فَيُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا يوم الْأَدَاءِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ هذا مَذْهَبُ جَمِيعِ أَصْحَابِنَا لِأَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ إذَا هَلَكَ النِّصَابُ بَعْدَ الْحَوْلِ تَسْقُطُ الزَّكَاةُ سَوَاءٌ كان من السَّوَائِمِ أو من أَمْوَالِ التِّجَارَةِ وَلَوْ كان الْوَاجِبُ أَحَدَهُمَا غير عَيْنٍ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ لَتَعَيَّنَتْ الْقِيمَةُ عِنْدَ هَلَاكِ الْعَيْنِ على ما هو الْأَصْلُ في التَّخْيِيرِ بين شَيْئَيْنِ إذَا هَلَكَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْآخَرُ وَكَذَا لو وَهَبَ النِّصَابَ من الْفَقِيرِ ولم تَحْضُرُهُ النِّيَّةُ أَصْلًا سَقَطَتْ عنه الزَّكَاةُ وَلَوْ لم يَكُنْ الْوَاجِبُ في النِّصَابِ عَيْنًا لَمَا سَقَطَتْ كما إذَا وَهَبَ منه غير النِّصَابِ وَكَذَا إذَا بَاعَ نِصَابَ الزَّكَاةِ من السَّوَائِمِ وَالسَّاعِي حَاضِرٌ إنْ شَاءَ أَخَذَ من الْمُشْتَرِي وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ من الْبَائِعِ وَلَوْلَا أَنَّ الْوَاجِبَ رُبُعُ عُشْرِ الْعَيْنِ لَمَا مَلَكَ الْأَخْذَ من غَيْرِ الْمُشْتَرِي فَدَلَّ أَنَّ مَذْهَبَ جَمِيعِ أَصْحَابِنَا هذا وهو أَنَّ الْوَاجِبَ رُبُعُ عُشْرِ الْعَيْنِ إلَّا عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ الْوَاجِبُ عِنْدَ الْحَوْلِ رُبُعُ عُشْرِ الْعَيْنِ من حَيْثُ أنه مَالٌ لَا من حَيْثُ أنه عَيْنٌ وَعِنْدَهُمَا الْوَاجِبُ رُبُعُ عُشْرِ الْعَيْنِ من حَيْثُ الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى جميعا لَكِنْ لِمَنْ عليه حَقُّ النَّقْلِ من الْعَيْنِ إلَى الْقِيمَةِ وَقْتَ الْأَدَاءِ. وَمَسَائِلُ الْجَامِعِ مَبْنِيَّةٌ على هذا الْأَصْلِ على ما نذكره [نذكر] وقال الشَّافِعِيُّ الْوَاجِبُ من قَدْرِ الزَّكَاةِ بَعْدَ الْحَوْلِ في الذِّمَّةِ لَا في النِّصَابِ وَعَلَى هذا يَنْبَنِي ما إذَا هَلَكَ مَالُ الزَّكَاةِ بَعْدَ الْحَوْلِ وَبَعْدَ التَّمَكُّنِ من الْأَدَاءِ أَنَّهُ تَسْقُطُ عنه الزَّكَاةُ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ لَا تَسْقُطُ وإذا هَلَكَ قبل التَّمَكُّنِ من الْأَدَاءِ لَا تَجِبُ عِنْدَنَا وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ في قَوْلٍ لَا تَجِبُ أَصْلًا وفي قَوْلٍ تَجِبُ ثُمَّ تَسْقُطُ لَا إلَى ضَمَانٍ وَلَا خِلَافٍ في أَنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ لَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ النِّصَابِ وَعَلَى هذا الْخِلَافِ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ هذا حَقٌّ وَجَبَ في ذِمَّتِهِ وَتَقَرَّرَ بِالتَّمَكُّنِ من الْأَدَاءِ فَلَا يَسْقُطُ بِهَلَاكِ النِّصَابِ كما في دُيُونِ الْعِبَادِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَكَمَا في الْحَجِّ فإنه إذَا كان مُوسِرًا وَقْتَ خُرُوجِ الْقَافِلَةِ من بَلَدِهِ ثُمَّ هَلَكَ مَالُهُ لَا يَسْقُطُ الْحَجُّ عنه وَإِنَّمَا قُلْنَا أنه وَجَبَ في ذِمَّتِهِ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَضَافَ الْإِيجَابَ إلَى مَالٍ لَا بِعَيْنِهِ قال النبي صلى الله عليه وسلم في مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وفي أَرْبَعِينَ شَاةٍ شَاةٌ أَوْجَبَ خَمْسَةً وَشَاةً لَا بِعَيْنِهَا وَالْوَاجِبُ إذَا لم يَكُنْ عَيْنًا كان في الذِّمَّةِ كما في صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَنَحْوِهَا وَلِأَنَّ غَايَةَ الْأَمْرِ أَنَّ قَدْرَ الزَّكَاةِ أَمَانَةٌ في يَدِهِ لَكِنَّهُ مُطَالَبٌ شَرْعًا بِالْأَدَاءِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ منه وَمَنْ مَنَعَ الْحَقَّ عن الْمُسْتَحَقِّ بَعْدَ طَلَبِهِ يُضْمَنُ كما في سَائِرِ الْأَمَانَاتِ وَالْخِلَافُ ثَابِتٌ فِيمَا إذَا طَلَبَهُ الْفَقِيرُ أو طَالَبَهُ السَّاعِي بِالْأَدَاءِ فلم يُؤَدِّ حتى هَلَكَ النِّصَابُ. وَلَنَا أَنَّ الْمَالِكَ إمَّا أَنْ يُؤَاخَذَ بِأَصْلِ الْوَاجِبِ أو بِضَمَانِهِ لَا وَجْهَ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّ مَحِلَّهُ النِّصَابُ وَالْحَقُّ لَا يَبْقَى بَعْد فَوَاتِ مَحِلِّهِ كَالْعَبْدِ الْجَانِي أو الْمَدْيُونِ إذَا هَلَكَ وَالشِّقْصُ الذي فيه الشُّفْعَةُ إذَا صَارَ بَحْرًا وَالدَّلِيلُ على أَنَّ مَحَلَّ أَصْلِ الْوَاجِبِ هو النِّصَابُ قَوْله تَعَالَى: {خُذْ من أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}. وَقَوْلُ النبي صلى الله عليه وسلم خُذْ من الذَّهَبِ الذَّهَبَ وَمِنْ الْفِضَّةِ الْفِضَّةَ وَمِنْ الْإِبِلِ الْإِبِلَ الحديث وَكَلِمَةُ من تَبْعِيضٌ فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ بَعْضَ النِّصَابِ وَقَوْلُهُ في مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وفي أَرْبَعِينَ شَاةٍ شَاةٌ جَعَلَ الْوَاجِبَ مَظْرُوفًا في النِّصَابِ لِأَنَّ (في) لِلظَّرْفِ وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ عُرِفَ وُجُوبُهَا على طَرِيقِ الْيُسْرِ وَطِيبَةِ النَّفْسِ بِأَدَائِهَا وَلِهَذَا اُخْتُصَّ وُجُوبُهَا بِالْمَالِ النَّامِي الْفَاضِلِ عن الْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَشُرِطَ لها الْحَوْلُ وَكَمَالُ النِّصَابِ وَمَعْنَى الْيُسْرِ في كَوْنِ الْوَاجِبِ في النِّصَابِ يَبْقَى بِبَقَائِهِ وَيَهْلِكُ بِهَلَاكِهِ وَلَا سَبِيلَ إلَى الثَّانِي لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ يَسْتَدْعِي تَفْوِيتَ مِلْكٍ أو يَدٍ كما في سَائِرِ الضَّمَانَاتِ وهو بِالتَّأْخِيرِ عن أَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ لم يُفَوِّتْ على الْفَقِيرِ مِلْكًا وَلَا يَدًا فَلَا يُضْمَنُ بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْحَجِّ لِأَنَّ مَحَلَّ الْوَاجِبِ هُنَاكَ ذِمَّتُهُ لَا مَالُهُ وَذِمَّتُهُ بَاقِيَةٌ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَالِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّهُ مَنَعَ حَقَّ الْفَقِيرِ بَعْدَ طَلَبِهِ فَنَقُولُ إنَّ هذا الْفَقِيرَ ما تَعَيَّنَ مُسْتَحِقًّا لِهَذَا الْحَقِّ فَإِنْ له أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى فَقِيرٍ آخَرَ وَإِنْ طَالَبَهُ السَّاعِي فَامْتَنَعَ من الْأَدَاءِ حتى هَلَكَ الْمَالُ قال أَهْلُ الْعِرَاقِ من أَصْحَابِنَا إنَّهُ يَضْمَنُ لِأَنَّ السَّاعِيَ مُتَعَيِّنٌ لِلْأَخْذِ فَيَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ عِنْدَ طَلَبِهِ فَيَصِيرُ بِالِامْتِنَاعِ مُفَوِّتًا فَيُضَمَّنُ وَمَشَايِخُنَا بِمَا وَرَاءِ النَّهْرِ قالوا إنَّهُ لَا يَضْمَنُ وهو الْأَصَحُّ فإنه ذَكَرَ في كتاب الزَّكَاةِ إذَا حَبَسَ السَّائِمَةَ بَعْدَ ما وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فيها حتى ثويت [تويت] لم يَضْمَنْهَا وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لم يَرِدْ بهذا الْحَبْسِ أَنْ يَمْنَعَهَا الْعَلَفَ وَالْمَاءَ لِأَنَّ ذلك اسْتِهْلَاكٌ لها وَلَوْ اسْتَهْلَكَهَا يَصِيرُ ضَامِنًا لِزَكَاتِهَا وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ حَبْسَهَا بَعْدَ طَلَبِ السَّاعِي لها وَالْوَجْهُ فيه أَنَّهُ ما فَوَّتَ بهذا الْحَبْسِ مِلْكًا وَلَا يَدًا على أَحَدٍ فَلَا يَصِيرُ ضَامِنًا وَلَهُ رَأْيٌ في اخْتِيَارِ مَحَلِّ الْأَدَاءِ إنْ شَاءَ من السَّائِمَةِ وَإِنْ شَاءَ من غَيْرِهَا فَإِنَّمَا حَبَسَ السَّائِمَةَ لِيُؤَدِّيَ من مَحِلٍّ آخَرَ فَلَا يَصِيرُ ضَامِنًا. هذا إذَا هَلَكَ كُلُّ النِّصَابِ فَإِنْ هَلَكَ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ فَعَلَيْهِ في الْبَاقِي حِصَّتُهُ من الزَّكَاةِ إذَا لم يَكُنْ في الْمَالِ فَضْلٌ على النِّصَابِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْبَعْضَ مُعْتَبَرٌ بِالْكُلِّ ثُمَّ إذَا هَلَكَ الْكُلُّ سَقَطَ جَمِيعُ الزَّكَاةِ فإذا هَلَكَ الْبَعْضُ يَجِبُ أَنْ يَسْقُطَ بقدره [بقدر] هذا إذَا لم يَكُنْ في الْمَالِ عَفْوٌ فَأَمَّا إذَا اجْتَمَعَ فيه النِّصَابُ وَالْعَفْوُ ثُمَّ هَلَكَ الْبَعْضُ فَعَلَى قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يُصْرَفُ الْهَلَاكُ إلَى الْعَفْوِ أَوَّلًا كَأَنَّهُ لم يَكُنْ في مِلْكِهِ إلَّا النِّصَابُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ يُصْرَفُ الْهَلَاكُ إلَى الْكُلِّ شَائِعًا حتى إذَا كان له تِسْعَةٌ من الْإِبِلِ فَحَالَ عليها الْحَوْلُ ثُمَّ هَلَكَ منها أَرْبَعَةٌ فَعَلَيْهِ في الْبَاقِي شَاةٌ كَامِلَةٌ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ عليه في الْبَاقِي خَمْسَةُ أَتْسَاعِ شَاةٍ. وَالْأَصْلُ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْوُجُوبَ يَتَعَلَّقُ بِالنِّصَابِ دُونَ الْعَفْوِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِمَا جميعا وَاحْتَجَّا بِقَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلم في خَمْسٍ من الْإِبِلِ شَاةٌ إلَى تِسْعٍ أَخْبَرَ أَنَّ الْوُجُوبَ يَتَعَلَّقُ بِالْكُلِّ وَلِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ هو الْمَالُ النَّامِي وَالْعَفْوُ مَالٌ نَامٍ وَمَعَ هذا لَا تَجِبُ بِسَبَبِهِ زِيَادَةٌ على أَنَّ الْوُجُوبَ في الْكُلِّ نَظِيرُهُ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِحَقٍّ بِشَهَادَةِ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ كان قَضَاؤُهُ بِشَهَادَةِ الْكُلِّ وَإِنْ كان لَا حَاجَةَ إلَى الْقَضَاءِ إلَى الثَّالِثِ وإذا ثَبَتَ أَنَّ الْوُجُوبَ في الْكُلِّ فما هَلَكَ يَهْلِكُ بِزَكَاتِهِ وما بَقِيَ يَبْقَى بِزَكَاتِهِ كَالْمَالِ الْمُشْتَرَكِ وَاحْتَجَّ أبو حَنِيفَةَ وأبو يُوسُفَ بِقَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عَمْرِو بن حَزْمٍ في خَمْسٍ من الْإِبِلِ السَّائِمَةِ شَاةٌ وَلَيْسَ في الزِّيَادَةِ شَيْءٌ حتى تَكُونَ عشر [عشرا]. وقال في حَدِيثِهِ أَيْضًا في خَمْسٍ وَعِشْرِينَ من الْإِبِلِ بِنْتُ مَخَاضٍ وَلَيْسَ في الزِّيَادَةِ شَيْءٌ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَهَذَا نَصَّ على أَنَّ الْوَاجِبَ في النِّصَابِ دُونَ الْوَقْصِ وَلِأَنَّ الْوَقَصَ وَالْعَفْوَ تَبَعٌ لَلنِّصَاب لِأَنَّ النِّصَابَ بِاسْمِهِ وَحُكْمِهِ يَسْتَغْنِي عن الْوَقْصِ وَالْوَقْصُ بِاسْمِهِ وَحُكْمِهِ لَا يَسْتَغْنِي عن النِّصَابِ وَالْمَالُ إذَا اشْتَمَلَ على أَصْلٍ وَتَبَعٍ فإذا هَلَكَ منه شَيْءٌ يُصْرَفُ الْهَلَاكُ إلَى التَّبَعِ دُونَ الْأَصْلِ كَمَالِ الْمُضَارَبَةِ إذَا كان فيه رِبْحٌ فَهَلَكَ شَيْءٌ منه يُصْرَفُ الْهَلَاكُ إلَى الرِّبْحِ دُونَ رَأْسِ الْمَالِ كَذَا هذا. وَعَلَى هذا إذَا حَالَ الْحَوْلُ على ثَمَانِينَ شَاةٍ ثُمَّ هَلَكَ أَرْبَعُونَ منها وَبَقِيَ أَرْبَعُونَ فَعَلَيْهِ في الْأَرْبَعِينَ الْبَاقِيَةِ شَاةٌ كَامِلَةٌ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِأَنَّ الْهَلَاكَ يُصْرَفُ إلَى الْعَفْوِ أَوَّلًا عِنْدَهُمَا فَجُعِلَ كَأَنَّ الْغَنَمَ أَرْبَعُونَ من الإبتداء وفي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ عليه في الْبَاقِي نِصْفُ شَاةٍ لِأَنَّ الْوَاجِبَ في الْكُلِّ عِنْدَهُمَا وقد هَلَكَ النِّصْفُ فَيَسْقُطُ الْوَاجِبُ بِقَدْرِهِ وَلَوْ هَلَكَ منها عِشْرُونَ وَبَقِيَ سِتُّونَ فَعَلَيْهِ في الْبَاقِي شَاةٌ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ شَاةٍ لِمَا قُلْنَا وَعَلَى هذا مَسَائِلُ في الْجَامِعِ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا بَيْنَهُمْ فَعِنْدَ أبي حَنِيفَةَ الْوَاجِبُ في الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَأَمْوَالِ التِّجَارَةِ جُزْءٌ من النِّصَابِ من حَيْثُ الْمَعْنَى لَا من حَيْثُ الصُّورَةِ وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْوَاجِبُ هو الْجُزْءُ منه صُورَةً وَمَعْنًى لَكِنْ يَجُوزُ إقَامَةُ غَيْرِهِ مَقَامَهُ من حَيْثُ الْمَعْنَى وَيَبْطُلُ اعتباره [اعتبار] الصُّورَةِ بِإِذْنِ صَاحِبِ الْحَقِّ وهو اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا في زَكَاةِ السَّوَائِمِ فَقَدْ اخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا على قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ. قال بَعْضُهُمْ الْوَاجِبُ هُنَاكَ أَيْضًا جُزْءٌ من النِّصَابِ من حَيْثُ الْمَعْنَى وَذَكَرَ الْمَنْصُوصَ عليه من خلال [خلاف] جِنْسِ النِّصَاب لِلتَّقْدِيرِ قال بَعْضُهُمْ الْوَاجِبُ هو الْمَنْصُوصُ عليه لَا جُزْءٌ من النِّصَابِ لَكِنْ من حَيْثُ الْمَعْنَى وَعِنْدَهُمَا الْوَاجِبُ هو الْمَنْصُوصُ عليه صُورَةً وَمَعْنًى لَكِنْ يَجُوزُ إقَامَةُ غَيْرِهِ مَقَامَهُ من حَيْثُ الْمَعْنَى دُونَ الصُّورَةِ على ما ذَكَرْنَا. وَيَنْبَنِي على هذا الْأَصْلِ مَسَائِلُ الْجَامِعِ إذَا كان لِرَجُلٍ مِائَتَا قَفِيزٍ حِنْطَةً لِلتِّجَارَةِ تُسَاوِي مِائَتِي دِرْهَمٍ وَلَا مَالَ له غَيْرُ ذلك وَحَالَ عليها الْحَوْلُ فَإِنْ أَدَّى من عَيْنِهَا يُؤَدِّي خَمْسَةَ أَقْفِزَةٍ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهَا هِيَ رُبُعُ عُشْرِ النِّصَابِ وهو الْوَاجِبُ على ما مَرَّ وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُؤَدِّيَ الْقِيمَةَ جَازَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لَكِنْ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ في الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ جميعا يُؤَدِّي قِيمَتَهَا يوم الْحَوْلِ وَهِيَ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ. وَعِنْدَهُمَا في الْفصليْنِ جميعا يُؤَدِّي قِيمَتَهَا يوم الْأَدَاءِ في النُّقْصَانِ دِرْهَمَيْنِ وَنِصْفًا وفي الزِّيَادَةِ عَشْرَةً هُمَا يَقُولَانِ الْوَاجِبُ جُزْءٌ من النِّصَابِ وَغَيْرُ الْمَنْصُوصِ عليه حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى غير أَنَّ الشَّرْعَ أَثْبَتَ له وِلَايَةَ أَدَاءِ الْقِيمَةِ إمَّا تَيْسِيرًا عليه وَإِمَّا نَقْلًا لِلْحَقِّ وَالتَّيْسِيرُ له في الْأَدَاءِ دُونَ الْوَاجِبِ وَكَذَا الْحَاجَةُ إلَى نَقْلِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى إلَى مُطْلَقِ الْمَالِ وَقْتَ الْأَدَاءِ إلَى الْفَقِيرِ فَبَقِيَ الْوَاجِبُ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ في الذِّمَّةِ عَيْنُ الْمَنْصُوصِ عليه وَجُزْءُ النِّصَابِ ثُمَّ عِنْدَ الْأَدَاءِ يُنْقَلُ ذلك إلَى الْقِيمَةِ فَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يوم النَّقْلِ كما في وَلَدِ الْمَغْرُورِ إنه يُضَمَّنُ الْمَغْرُورُ قِيمَتَهُ لِلْمَالِكِ يوم التَّضْمِينِ لِأَنَّ الْوَلَدَ في حَقِّهِ وَإِنْ عُلِّقَ حُرُّ الْأَصْلِ فَفِي حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ جُعِلَ مَمْلُوكًا له لِحُصُولِهِ عن مَمْلُوكَتِهِ وَإِنَّمَا يُنْقَلُ عنه حَقُّهُ إلَى الْقِيمَةِ يوم الْخُصُومَةِ فَكَذَا هَهُنَا وأبو حَنِيفَةَ يقول الْوَاجِبُ هو الْجُزْءُ من النِّصَاب غير أَنَّ وُجُوبَهُ من حَيْثُ أنه مُطْلَقُ الْمَالِ لَا من حَيْثُ أنه جُزْءٌ من النِّصَابِ بِدَلِيلِ إنه يَجُوزُ أَدَاءُ الشَّاةِ عن خَمْسٍ من الْإِبِلِ وَإِنْ لم يَكُنْ جُزْءًا منها وَالتَّعَلُّقُ بِكَوْنِهِ جُزْءٌ لِلتَّيْسِيرِ لَا لِلتَّحْقِيقِ لِأَنَّ الْأَدَاءَ منه أَيْسَرُ في الْأَغْلَبِ حتى إن الْأَدَاءَ من غَيْرِ الْجُزْءِ لو كان أَيْسَرَ مَالَ إلَيْهِ وَعِنْدَ مَيْلِهِ إلَيْهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ هو الْوَاجِبُ لِأَنَّهُ هو مُطْلَقُ الْمَالِ وَهَذَا هو الْوَاجِبُ على طَرِيقِ الِاسْتِحْقَاقِ. وَكَذَا الْمَنْصُوصُ عليه مَعْلُولٌ بِمُطْلَقِ الْمَالِ وَالتَّعَلُّقُ بِهِ لِلتَّيْسِيرِ بِدَلِيلِ جَوَازِ أَدَاءِ الْوَاحِدِ من الْخَمْسِ وَالنَّاقَةِ الْكَوْمَاءِ عن بِنْتِ مَخَاضٍ فَكَانَ الْوَاجِبُ عِنْدَ الْحَوْلِ رُبْعُ الْعُشْرِ من حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ وَالْمَنْصُوصُ عليه من حَيْثُ أنه مَالٌ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ قِيمَتِهِ يوم الْوُجُوبِ وَلَا يُعْتَبَرُ التَّغَيُّرُ بِسَبَبِ نُقْصَانِ السِّعْرِ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِهِ لِإِسْقَاطِ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ احْتِيَاطًا لِحَقِّ الْفُقَرَاءِ وَأَمَّا في السَّوَائِمِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ على قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ قال بَعْضُهُمْ يُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا يوم الْوُجُوبِ كما في مَالِ التِّجَارَةِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ جُزْءٌ من النِّصَابِ من حَيْثُ أنه مَالٌ في جَمِيعِ أَمْوَالِ الزَّكَاةِ، وقال بَعْضُهُمْ يوم الْأَدَاءِ كما قَالَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ ثَمَّةَ هو الْمَنْصُوصُ عليه صُورَةً وَمَعْنًى وَلَكِنْ يَجُوزُ إقَامَةُ غَيْرِهِ مَقَامَهُ وَالله أعلم. وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ في مَالِ الزَّكَاةِ إذَا كان جَارِيَةً تُسَاوِي مِائَتَيْنِ في جَمِيعِ ما ذَكَرْنَا من تَغَيُّرِ السِّعْرِ إلَى زِيَادَةٍ أو نُقْصَانٍ وَلِلْمَسْأَلَةِ فُرُوعٌ تُعْرَفُ في كتاب الزَّكَاةِ من الْجَامِعِ هذا إذَا هَلَكَ النِّصَابُ بَعْدَ الْحَوْلِ فَأَمَّا إذَا تَصَرَّفَ فيه الْمَالِكُ فَهَلْ يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ عِنْدَنَا يَجُوزُ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا وَهَذَا بِنَاءً على أَصْلِنَا أَنَّ التَّصَرُّفَ في مَالِ الزَّكَاةِ بَعْدَ وُجُوبِهَا جَائِزٌ عِنْدَنَا حتى لو بَاعَ نِصَابَ الزَّكَاةِ جَازَ الْبَيْعُ في الْكُلِّ عِنْدَنَا وَأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَلَا يَجُوزُ في قَدْرِ الزَّكَاةِ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَهُ في الزِّيَادَةِ على قَدْرِ الزَّكَاةِ قَوْلَانِ وَجْهِ قَوْلِهِ أَنَّ الْوَاجِبَ جُزْءٌ من النِّصَابِ لِمَا ذَكَرْنَا من الدَّلَائِلِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ وُجُوبُهُ حَقًّا لِلْعَبْدِ كما يقول أو حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى كما يَقُولُونَ وَكُلُّ ذلك يَمْنَعُ من التَّصَرُّفِ فيه وَلَنَا أَنَّ الزَّكَاةَ اسْمٌ لِلْفِعْلِ وهو إخْرَاجُ الْمَالِ إلَى اللَّهِ وَقَبْلَ الْإِخْرَاجِ لَا حَقَّ في الْمَالِ حق [حتى] يَمْنَعَ نَفَاذَ الْبَيْعِ فيه فَيَنْفُذُ كَالْعَبْدِ إذَا جَنَى جِنَايَةً فَبَاعَهُ الْمَوْلَى فَيَنْفُذُ بَيْعُهُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فيه هو فِعْلُ الدَّفْعِ فَكَانَ الْمَحَلُّ خَالِيًا عن الْحَقِّ قبل الْفِعْلِ فَنَفَذَ الْبَيْعُ فيه كَذَا هذا. وإذا جَازَ التَّصَرُّفُ في النِّصَابِ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فيه عِنْدَنَا فإذا تَصَرَّفَ الْمَالِكُ فيه يُنْظَرُ إنْ كان اسْتِبْدَالًا بمثله لَا يَضْمَنُ الزَّكَاةَ وَيَنْتَقِلُ الْوَاجِبُ إلَيْهِ يَبْقَى بِبَقَائِهِ وَيَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ وأن كان اسْتِهْلَاكًا يَضْمَنُ الزَّكَاةَ وَيَصِيرُ دَيْنًا في ذِمَّتِهِ بَيَانُ ذلك إذَا حَالَ الْحَوْلُ على مَالِ التِّجَارَةِ وَوَجَبَتْ فيه الزَّكَاةُ فَأَخْرَجَهُ الْمَالِكُ عن مِلْكِهِ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ أو بِعَرَضِ التِّجَارَةِ فَبَاعَهُ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ لَا يَضْمَنُ الزَّكَاةَ لِأَنَّهُ ما أَتْلَفَ الْوَاجِبَ بَلْ نَقَلَهُ من مَحَلِّ إلَى مَحَلِّ مِثْلِهِ إذْ الْمُعْتَبَرُ في مَالِ التِّجَارَةِ هو الْمَعْنَى وهو الْمَالِيَّةُ لَا الصُّورَةُ فَكَانَ الْأَوَّلُ قَائِمًا مَعْنًى فَيَبْقَى الْوَاجِبُ بِبَقَائِهِ وَيَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ وَكَذَا لو بَاعَهُ وَحَابَى بِمَا يَتَغَابَنُ الناس في مِثْلِهِ لِأَنَّ ذلك مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عنه فَجُعِلَ عَفْوًا وَلِهَذَا جُعِلَ عَفْوًا في بَيْعِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ. وَإِنْ حَابَى بِمَا لَا يَتَغَابَنُ الناس في مِثْلِهِ يَضْمَنُ قَدْرَ زَكَاةِ الْمُحَابَاةِ وَيَكُونُ دَيْنًا في ذِمَّتِهِ وَزَكَاةُ ما بَقِيَ يَتَحَوَّلُ إلَى الْعَيْنِ يبقي بِبَقَائِهَا وَيَسْقُطُ بِهَلَاكِهَا. وَلَوْ أَخْرَجَ مَالَ الزَّكَاةِ عن مِلْكِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَصْلًا بِالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ من غَيْرِ الْفَقِيرِ وَالْوَصِيَّةِ أو بِعِوَضٍ ليس بِمَالٍ بِأَنْ تَزَوَّجَ عليه امْرَأَةً أو صَالَحَ بِهِ من دَمِ الْعَمْدِ أو اخْتَلَعَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ يَضْمَنُ الزَّكَاةَ في ذلك كُلِّهِ لِأَنَّ إخْرَاجَ الْمَالِ بِغَيْرِ عِوَضٍ إتْلَافٌ له وَكَذَا بِعِوَضٍ ليس بِمَالٍ وَكَذَا لو أَخْرَجَهُ بِعِوَضٍ هو مَالٌ لَكِنَّهُ ليس بِمَالِ الزَّكَاةِ بِأَنْ بَاعَهُ بِعَبْدِ الْخِدْمَةِ أو ثِيَابِ الْبِذْلَةِ سَوَاءٌ بَقِيَ الْعِوَضُ في يَدِهِ أو هَلَكَ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ الْمَعْنَى الذي صَارَ الْمَالُ بِهِ مَالَ الزَّكَاةِ فَكَانَ استهلاكا [استهلاكه] له في حَقِّ الزَّكَاةِ وَكَذَا لو اسْتَأْجَرَ بِهِ عَيْنًا من الْأَعْيَانِ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ وَإِنْ كانت مَالًا في نَفْسِهَا لَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالِ الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ لَا بَقَاءَ لها وَكَذَا لو صَرَفَ مَالَ الزَّكَاةِ إلَى حَوَائِجِهِ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللُّبْسِ لِوُجُودِ حَقِيقَةِ الِاسْتِهْلَاكِ. وَكَذَا إذَا بَاعَ مَالَ التِّجَارَةِ بِالسَّوَائِمِ على أَنْ يَتْرُكَهَا سَائِمَةً يَضْمَنُ الزَّكَاةَ لِأَنَّ زَكَاةَ مَالِ التِّجَارَةِ خِلَافَ زَكَاةِ السَّائِمَةِ فَيَكُونُ اسْتِهْلَاكًا وَلَوْ كان مَالُ الزَّكَاةِ سَائِمَةً فَبَاعَهَا بِخِلَافِ جِنْسِهَا من الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ وَالْأَثْمَانِ أو بِجِنْسِهَا يَضْمَنُ وَيَصِيرُ قَدْرُ الزَّكَاةِ دَيْنًا في ذِمَّتِهِ لَا يَسْقُطُ بِهَلَاكِ ذلك الْعِوَضِ لَمَا ذَكَرْنَا أَنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ في السَّوَائِمِ يَتَعَلَّقُ بِالصُّورَةِ وَالْمَعْنَى فَبَيْعُهَا يَكُونُ اسْتِهْلَاكًا لها لَا اسْتِبْدَالًا وَلَوْ كان مَالُ الزَّكَاةِ دَرَاهِمَ أو دَنَانِيرَ فَأَقْرَضَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ فَثَوَى الْمَالُ عِنْدَهُ ذُكِرَ في الْعُيُونِ عن مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عليه لِأَنَّهُ لم يُوجَدْ منه الْإِتْلَافُ وَكَذَا لو كان مَالُ الزَّكَاةِ ثَوْبًا فَأَعَارَهُ فَهَلَكَ لِمَا قُلْنَا. وَقَالُوا في عبد التِّجَارَةِ إذَا قَتَلَهُ عَبْدٌ خَطَأً فَدَفَعَ بِهِ إن الثَّانِيَ لِلتِّجَارَةِ لِأَنَّهُ عِوَضٌ عن الْأَوَّلِ قَائِمٌ مَقَامَهُ كَأَنَّهُ هو وَلَوْ قَتَلَهُ عَمْدًا وَصَالَحَهُ الْمَوْلَى من الدَّمِ على عَبْدٍ أو غَيْرِهِ لم يَكُنْ لِلتِّجَارَةِ لِأَنَّ الثَّانِيَ ليس بِعِوَضٍ عن الْأَوَّلِ بَلْ هو عِوَضٌ عن الْقِصَاصِ وَالْقِصَاصُ ليس بِمَالٍ وَقَالُوا فِيمَنْ اشْتَرَى عَصِيرًا لِلتِّجَارَةِ فَصَارَ خَمْرًا ثُمَّ صَارَ خَلًّا أنه لِلتِّجَارَةِ لِأَنَّ الْعَارِضَ هو التَّخَمُّرُ وَأَثَرُ التَّخَمُّرِ في زَوَالِ صِفَةِ التقويم [التقوم] لا غير وقد عَادَتْ الصِّفَةُ بِالتَّخَلُّلِ فَصَارَ مَالًا مُتَقَوِّمًا كما كان وَكَذَلِكَ قالوا في الشَّاةِ إذَا مَاتَتْ فَدُبِغَ جِلْدُهَا إن جِلْدَهَا يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ بَاعَ السَّائِمَةَ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فيها فَإِنْ كان الْمُصْدِقُ حَاضِرًا يَنْظُرُ إلَيْهَا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَةَ الْوَاجِبِ من الْبَائِعِ وَتَمَّ الْبَيْعُ في الْكُلِّ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْوَاجِبَ من الْعَيْنِ الْمُشْتَرَاةِ وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ في الْقَدْرِ الْمَأْخُوذِ وَإِنْ لم يَكُنْ حَاضِرًا وَقْتَ الْبَيْعِ فَحَضَرَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَالتَّفَرُّقِ عن الْمَجْلِسِ فإنه لَا يَأْخُذُ من الْمُشْتَرِي وَلَكِنَّهُ يَأْخُذُ قِيمَةَ الْوَاجِبِ من الْبَائِعِ. وَإِنَّمَا كان كَذَلِكَ لِأَنَّ بَيْعَ السَّائِمَةِ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فيها اسْتِهْلَاكٌ لها لِمَا بَيَّنَّا إلَّا أَنَّ مَعْنَى الِاسْتِهْلَاكِ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ قبل الِافْتِرَاقِ عن الْمَجْلِسِ ثَبَتَ بِالِاجْتِهَادِ إذْ الْمَسْأَلَةُ اجْتِهَادِيَّةٌ مُخْتَلِفَةٌ بين الصَّحَابَةِ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ فَلِلسَّاعِي أَنْ يَأْخُذَ بِأَيِّ الْقَوْلَيْنِ أَفْضَى اجْتِهَادُهُ إلَيْهِ فَإِنْ أَفْضَى اجْتِهَادُهُ إلَى زَوَالِ الْمِلْكِ بِنَفْسِ الْبَيْعِ أَخَذَ قِيمَةَ الْوَاجِبِ منه لِحُصُولِ الِاسْتِهْلَاكِ وَتَمَّ الْبَيْعُ في الْكُلِّ إذْ لم يَسْتَحِقَّ شَيْءٌ من الْمَبِيعِ وَإِنْ أَفْضَى اجْتِهَادُهُ إلَى عَدَمِ الزَّوَالِ أَخَذَ الْوَاجِبَ من غَيْرِ الْمُشْتَرِي كما قُبِلَ الْبَيْعُ وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ في الْقَدْرِ الْمَأْخُوذِ كَأَنَّهُ اسْتَحَقَّ هذا الْقَدْرَ من الْمَبِيعِ فَأَمَّا بَعْدَ الِافْتِرَاقِ فَقَدْ تَأَكَّدَ زَوَالُ الْمِلْكِ لِخُرُوجِهِ عن مَحِلِّ الِاجْتِهَادِ فَتَأَكَّدَ الِاسْتِهْلَاكُ فَصَارَ الْوَاجِبُ دَيْنًا في ذِمَّتِهِ فَهُوَ الْفَرْقُ. وَهَلْ يُشْتَرَطُ نَقْلُ الْمَاشِيَةِ من مَوْضِعِهَا مع افْتِرَاقِ الْعَاقِدَيْنِ بِأَنْفُسِهِمَا لم يُشْتَرَطْ ذلك في ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَشَرَطَهُ الْكَرْخِيُّ وقال إنْ حَضَرَ الْمُصْدِقُ قبل النَّقْلِ فَلَهُ الْخِيَارُ وَكَذَا رَوَى ابن سِمَاعَةَ عن مُحَمَّدٍ وَلَوْ بَاعَ طَعَامًا وَجَبَ فيه الْعُشْرُ فَالْمُصَدِّقُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ من الْبَائِعِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ من الْمُشْتَرِي سَوَاءٌ حَضَرَ قبل الِافْتِرَاقِ أو بَعْدَهُ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ تَعَلُّقَ الْعُشْرِ بِالْعَيْنِ آكِدٌ من تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بها أَلَا تَرَى أَنَّ الْعُشْرَ لَا يُعْتَبَرُ فيه الْمَالِكُ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ وَلَوْ مَاتَ من عليه الْعُشْرُ قبل أَدَائِهِ من غَيْرِ وَصِيَّةٍ يُؤْخَذُ من تَرِكَتِهِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ وَالله أعلم. وَهَذَا الذي ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَاجِبَ أَدَاءُ جُزْءٍ من النِّصَابِ من حَيْثُ الْمَعْنَى أو من حَيْثُ الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى. مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ فَأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَالْوَاجِبُ أَدَاءُ عَيْنِ الْمَنْصُوصِ عليه وينبني [ويبنى] عليه إن دَفْعَ الْقِيَمِ وَالْأَبْدَالِ في باب الزَّكَاةِ وَالْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالنُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ جَائِزٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَدَاءُ الْمَنْصُوصِ عليه وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلم في الْخَمْسِ من الْإِبِلِ السَّائِمَةِ شَاةٌ. وَقَوْلُهُ في أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ وَكُلُّ ذلك بَيَانٌ لِمُجْمَلِ كتاب اللَّهِ تَعَالَى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} إذْ ليس فيه بَيَانُ الزَّكَاةِ فَبَيَّنَهُ النبي صلى الله عليه وسلم وَالْتَحَقَ الْبَيَانُ بِمُجْمَلِ الْكتاب فَصَارَ كَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قال وَآتُوا الزَّكَاةَ من كل أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ وفي خَمْسٍ من الْإِبِلِ شَاةٌ فَصَارَتْ الشَّاةُ وَاجِبَةً لِلْأَدَاءِ بِالنَّصِّ وَلَا يَجُوزُ الِاشْتِغَالُ بِالتَّعْلِيلِ لِأَنَّهُ يُبْطِلُ حُكْمَ النَّصِّ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إقَامَةُ السُّجُودِ على الْخَدِّ وَالذَّقَنِ مَقَامَ السُّجُودِ على الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ وَالتَّعْلِيلُ فيه بِمَعْنَى الْخُضُوعِ لِمَا ذَكَرْنَا كَذَا هذا وَصَارَ كَالْهَدَايَا وَالضَّحَايَا وَجَوَازُ أَدَاءِ الْبَعِيرِ عن خَمْسٍ من الْإِبِلِ عِنْدِي بِاعْتِبَارِ النَّصِّ وهو قَوْلُهُ خُذْ من الْإِبِلِ الْإِبِلَ إلَّا عِنْدَ قِلَّةِ الْإِبِلِ أَوْجَبُ من خِلَافِ الْجِنْسِ تَيْسِيرًا على أَرْباب الْأَمْوَالِ فإذا سَمَحَتْ نَفْسُهُ بِأَدَاءِ بَعِيرٍ من الْخَمْسِ فَقَدْ تَرَكَ هذا التَّيْسِيرَ فَجَازَ بِالنَّصِّ لَا بِالتَّعْلِيلِ وَلَنَا في الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا طَرِيقُ أبي حَنِيفَةَ الثاني [والثاني] طَرِيقُ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَمَّا طَرِيقُ أبي حَنِيفَةَ فَهُوَ أَنَّ الْوَاجِبَ أَدَاءُ جُزْءٍ من النِّصَابِ من حَيْثُ الْمَعْنَى وهو الْمَالِيَّةُ. وَأَدَاءُ الْقِيمَةِ مِثْلُ أَدَاءِ الْجُزْءِ من النِّصَابِ من حَيْثُ أنه مَالٌ وَبَيَانُ كَوْنِ الْوَاجِبِ أَدَاءَ جُزْءٍ من النِّصَابِ ما ذَكَرْنَا في مَسْأَلَةِ التَّفْرِيطِ وَالدَّلِيلُ على أَنَّ الْجُزْءَ من النِّصَابِ وَاجِبٌ من حَيْثُ أنه مَالٌ إن تَعَلُّقَ الْوَاجِبِ بِالْجُزْءِ من النِّصَابِ لِلتَّيْسِيرِ لِيَبْقَى الْوَاجِبُ بِبَقَائِهِ وَيَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ وَمَعْنَى التَّيْسِيرِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ أَنْ لو تَعَيَّنَ الْجُزْءُ من النِّصَابِ لِلْوُجُوبِ من حَيْثُ هو مَالٌ إذْ لو تَعَلَّقَ الْوُجُوبُ بِغَيْرِ الْجُزْءِ لَبَقِيَتْ الشَّرِكَةُ في النِّصَابِ لِلْفُقَرَاءِ وَفِيهِ من الْعُسْرِ وَالْمَشَقَّةِ ما لَا يَخْفَى خُصُوصًا إذَا كان النِّصَابُ من نَفَائِسِ الْأَمْوَالِ نحو الْجَوَارِي الْحِسَانِ وَالْأَفْرَاسِ الْفَارِهَةِ لِلتِّجَارَةِ وَنَحْوِهَا وَلَا كَذَلِكَ إذَا كان التَّعَلُّقُ بِهِ من حَيْثُ هو مَالٌ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كان الِاخْتِيَارُ إلَى رَبِّ الْمَالِ فَإِنْ رَأَى أداء الْجُزْءَ إلَيْهِ أَيْسَرَ أَدَّى الْجُزْءَ وَإِنْ رَأَى أَدَاءَ غَيْرِهِ أَيْسَرَ مَالَ إلَيْهِ فَيَحْصُلُ مَعْنَى الْيُسْرِ وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ ذِكْرَ الشَّاةِ في الحديث لِتَقْدِيرِ الْمَالِيَّةِ لَا لِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِهِ. وقد رُوِيَ عن رسول اللَّهِ أَنَّهُ رَأَى في إبِلِ الصَّدَقَةِ نَاقَةً كَوْمَاءَ فَغَضِبَ على الْمُصْدِقِ وقال أَلَمْ أَنْهَكُمْ عن أَخْذِ كَرَائِمِ أَمْوَالِ الناس فقال أَخَذْتُهَا بِبَعِيرَيْنِ من إبِلِ الصَّدَقَةِ وفي رواية: ارْتَجَعْتُهَا فَسَكَتَ رسول اللَّهِ وَأَخْذُ الْبَعِيرِ بِبَعِيرَيْنِ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فَدَلَّ على صِحَّةِ مَذْهَبِنَا. وَأَمَّا طَرِيقُ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَهُوَ أَنَّ الْوَاجِبَ عَيْنُ ما وَرَدَ بِهِ النَّصُّ وهو أَدَاءُ رُبُعِ الْعُشْرِ في مَالِ التِّجَارَةِ وَأَدَاءُ الْمَنْصُوصِ عليه في السَّوَائِمِ صُورَةً وَمَعْنًى غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى بَلْ هو تَعَبُّدٌ مَحْضٌ حتى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لو أَمَرَنَا باتلافه حَقًّا له أو سببه [سبيه] لَفَعَلْنَا ولم نَعْدِلْ عن الْمَنْصُوصِ عليه إلَى غَيْرِهِ غير أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ بِصَرْفِهِ إلَى عِبَادِهِ الْمُحْتَاجِينَ كِفَايَةً لهم وَكِفَايَتُهُمْ مُتَعَلِّقَةٌ بِمُطْلَقِ الْمَالِ صَارَ وُجُوبُ الصَّرْفِ إلَيْهِمْ مَعْقُولَ الْمَعْنَى وهو الْكِفَايَةُ التي تَحْصُلُ بِمُطْلَقِ الْمَالِ فَصَارَ مَعْلُولًا بِمُطْلَقِ الْمَالِ وكان أَمْرُهُ عز وجل أَرْباب الْأَمْوَالِ بِالصَّرْفِ إلَى الْفَقِيرِ إعْلَامًا له أَنَّهُ إذن لهم بِنَقْلِ حَقِّهِ الثَّابِتِ في الْمَنْصُوصِ عليه إلَى مُطْلَقِ الْمَالِ كَمَنْ له على رَجُلٍ حِنْطَةٌ وَلِرَجُلِ آخَرَ على صَاحِبِ الدَّيْنِ دَرَاهِمَ فَأَمَرَ من له الْحِنْطَةُ من عليه الْحِنْطَةُ بِأَنْ يَقْضِيَ دَيْنَ الدَّرَاهِمِ من الذي له عليه وهو الْحِنْطَةُ كان ذلك إذْنًا منه إيَّاهُ بِنَقْلِ حَقِّهِ إلَى الدَّرَاهِمِ بِأَنْ يَسْتَبْدِلَ الْحِنْطَةَ بِالدَّرَاهِمِ وَجَعَلَ الْمَأْمُورَ بِالْأَدَاءِ كَأَنَّهُ أَدَّى عَيْنَ الْحَقِّ إلَى من له الْحَقُّ ثُمَّ اسْتَبْدَلَ ذلك وَصَرَفَ إلَى الْآخَرِ ما أَمَرَ بِالصَّرْفِ إلَيْهِ فَصَارَ ما وَصَلَ إلَى الْفَقِيرِ مَعْلُولًا بِمُطْلَقِ الْمَالِ سَوَاءٌ كان الْمَنْصُوصُ عليه أو غَيْرِهِ جزأ من النِّصَابِ أو غَيْرِهِ وَأَدَاءُ الْقِيمَةِ أَدَاءُ مَالٍ مُطْلَقٍ مُقَدَّرٍ بِقِيمَةِ الْمَنْصُوصِ عليه بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ فَيُجْزِئُهُ كما لو أَدَّى وَاحِدًا من خَمْسٍ من الْإِبِلِ بِخِلَافِ السُّجُودِ على الْخَدِّ وَالذَّقَنِ لِأَنَّ مَعْنَى الْقُرْبَةِ فائت [فاتت] أَصْلًا وَلِهَذَا لَا يُنْتَقَلُ بِهِ وَلَا يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ الْعَجْزِ وما ليس بِقُرْبَةٍ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْقُرْبَةِ وَبِخِلَافِ الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ فيها إرَاقَةُ الدَّمِ حتى لو هَلَكَ بَعْدَ الذَّبْحِ قبل التَّصَدُّقِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَإِرَاقَةُ الدَّمِ ليس بِمَالٍ فَلَا يَقُومُ الْمَالُ مَقَامَهُ وَالله تعالى أعلم. أَمَّا نِصَابُ الْإِبِلِ فَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسٍ من الْإِبِلِ زَكَاةٌ وفي الْخَمْسِ شَاةٌ وفي الْعَشْرِ شَاتَانِ وفي خَمْسَةَ عَشْرَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ وفي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ وفي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ وفي سِتٍّ وثلاثون [وثلاثين] بِنْتُ لَبُونٍ وفي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ حِقَّةٌ وفي إحْدَى وَسِتِّينَ جَذَعَةٌ وَهِيَ أَقْصَى سِنٍّ لها مَدْخَلٌ في الزَّكَاةِ. وَالْأَصْلُ فيه ما رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَتَبَ كتابا إلَى أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي اللَّهُ عنه فَكَتَبَهُ أبو بَكْرٍ لِأَنَسٍ وكان فيه وفي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ فما دُونَهَا الْغَنَمُ في كل خَمْسٍ ذَوْدُ شَاةٍ فإذا كانت خَمْسًا وَعِشْرِينَ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ فإذا كانت سِتًّا وَثَلَاثِينَ إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ فإذا كانت سِتًّا وَأَرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ فإذا كانت إحْدَى وَسِتِّينَ إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ فإذا كانت سِتًّا وَسَبْعِينَ إلَى تِسْعِينَ فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ فإذا كانت إحْدَى وَتِسْعِينَ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَلَا خِلَافَ في هذه الْجُمْلَةِ إلَّا ما رُوِيَ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ قال في خَمْسٍ وَعِشْرِينَ خَمْسُ شِيَاهٍ وفي سِتٍّ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ لَا تَكَادُ تَثْبُتُ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه لِأَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِلْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ منها ما رَوَيْنَا من كتاب رسول اللَّهِ الذي كَتَبَهُ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي اللَّهُ عنه وَمِنْهَا كتابهُ الذي كَتَبَهُ لِعَمْرِو بن حَزْمٍ وَغَيْرُ ذلك من الْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ وَلِأَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِأُصُولِ الزَّكَوَاتِ في السَّوَائِمِ لِأَنَّ فيها مُوَالَاةٍ بين وَاجِبَيْنِ لَا وَقَصَ بَيْنَهُمَا وَالْأَصْلُ فيها أَنْ يَكُونَ بين الْفَرِيضَتَيْنِ وَقَصٌ. وَهَذَا دَلِيلُ عَدَمِ الثُّبُوتِ وقد حُكِيَ عن سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ قال كان عَلِيٌّ رضي اللَّهُ عنه أَفْقَهُ من أَنْ يَقُولَ مِثْلَ هذا إنَّمَا هو غَلَطٌ وَقَعَ من رِجَالِ عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ الرَّاوِيَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ يقول في سِتٍّ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ وفي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ خَمْسٌ من الْغَنَمِ قِيمَةُ بِنْتِ مَخَاضٍ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ في الزِّيَادَةِ على مِائَةٍ وَعِشْرِينَ فقال أَصْحَابُنَا إذَا زَادَتْ الْإِبِلُ على هذا الْعَدَدِ تُسْتَأْنَفُ الْفَرِيضَةُ وَيُدَارُ الْحِسَابُ على الْخَمْسِينَانِ في النِّصَابِ وَعَلَى الْحِقَاقِ في الْوَاجِبِ لَكِنْ بِشَرْطِ عَوْدِ ما قَبْلَهُ من الْوَاجِبَاتِ وَالْأَوْقَاصِ بِقَدْرِ ما يَدْخُلُ فيه. وَبَيَانُ ذلك إذَا زَادَتْ الْإِبِلُ على مِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَلَا شَيْءَ في الزِّيَادَةِ حتى تَبْلُغَ خَمْسًا فَيَكُونُ فيها شَاةٌ وَحِقَّتَانِ وفي الْعَشْرِ شَاتَانِ وَحِقَّتَانِ وفي خَمْسَةَ عَشْرَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ وَحِقَّتَانِ وفي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ وَحِقَّتَانِ وفي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ وَحِقَّتَانِ إلَى مِائَةٍ وَخَمْسِينَ فَفِيهَا ثَلَاثُ حِقَاقٍ في كل خَمْسِينَ حِقَّةٌ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْفَرِيضَةَ فَلَا شَيْءَ في الزِّيَادَةِ حتى تَبْلُغَ خَمْسًا فَيَكُونُ فيها شَاةٌ وَثَلَاثُ حِقَاقٍ وفي الْعَشْرِ شَاتَانِ وَثَلَاثُ حِقَاقٍ. وفي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ وَثَلَاثُ حِقَاقٍ وفي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ وَثَلَاثُ حِقَاقٍ فإذا بَلَغَتْ مِائَةً وَخَمْسًا وَسَبْعِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ وَثَلَاثُ حِقَاقٍ فإذا بَلَغَتْ مِائَةً وَسِتَّةً وَثَمَانِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ وَثَلَاثُ حِقَاقٍ إلَى مِائَةٍ وَسِتَّةٍ وَتِسْعِينَ فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ إلَى مِائَتَيْنِ فَإِنْ شَاءَ أَدَّى منها أَرْبَعَ حِقَاقٍ من كل خَمْسِينَ حِقَّةً وَإِنْ شَاءَ أَدَّى خَمْسَ بَنَاتِ لَبُونٍ من كل أَرْبَعِينَ بِنْتَ لَبُونٍ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْفَرِيضَةَ أَبَدًا في كل خَمْسِينَ كما اُسْتُؤْنِفَتْ من مِائَةٍ وَخَمْسِينَ إلَى مِائَتَيْنِ فَيَدْخُلُ فيها بِنْتُ مَخَاضٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ وَحِقَّةٌ مع الشِّيَاهِ هذا قَوْلُ أَصْحَابِنَا. وقال مَالِكٌ إذَا زَادَتْ الْإِبِلُ على مِائَةٍ وَعِشْرِينَ وَاحِدَةً لَا تَجِبُ في الزِّيَادَةِ شَيْءٌ إلَى تِسْعَةٍ بَلْ يُجْعَلُ تِسْعَةً عَفْوًا حتى تَبْلُغَ مِائَةً وَثَلَاثِينَ وَكَذَا إذَا بَلَغَتْ مئة [مائة] وَثَلَاثِينَ فَلَا شَيْءَ في الزِّيَادَةِ إلَى تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ وَيُجْعَلُ كُلُّ تِسْعَةٍ عَفْوًا وَتَجِبُ في كل أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وفي كل خَمْسِينَ حِقَّةٌ فَيُدَارُ النِّصَابُ على الْخَمْسِينَاتِ وَالْأَرْبَعِينَات وَالْوَاجِبُ على الحقائق [الحقاق] وَبَنَاتِ لَبُونٍ فَيَجِبُ في مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ حِقَّةٌ وَبِنْتَا لَبُونٍ لِأَنَّهَا مَرَّةً خَمْسُونَ مرتين [ومرتين] أَرْبَعُونَ وفي مِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ حِقَّتَانِ وَبِنْتُ لَبُونٍ وفي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ وفي مِائَةٍ وَسِتِّينَ أَرْبَعُ بَنَاتِ لَبُونٍ وفي مِائَةٍ وَسَبْعِينَ حِقَّةٌ وَثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ وفي مِائَةٍ وَثَمَانِينَ حِقَّتَانِ وَبِنْتَا لَبُونٍ وفي مِائَةٍ وَتِسْعِينَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ إلَى مِائَتَيْنِ فَإِنْ شَاءَ أَدَّى من الْمِائَتَيْنِ أَرْبَعَ حِقَاقٍ وَإِنْ شَاءَ خَمْسَ بَنَاتِ لَبُونٍ. وقال الشَّافِعِيُّ مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ أنه يُدَارُ الْحِسَابُ على الْخَمْسِينَاتِ وَالْأَرْبَعِينَات في النُّصُبِ وَعَلَى الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ في الْوَاجِبِ وَإِنَّمَا خَالَفَهُ في فصل وَاحِدٍ وهو أَنَّهُ قال إذَا زَادَتْ الْإِبِلُ على مِائَةٍ وَعِشْرِينَ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ احْتَجَّا بِمَا رُوِيَ عن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَتَبَ كتاب الصَّدَقَاتِ وَقَرَنَهُ بِقِرَابِ سَيْفِهِ ولم يُخْرِجْهُ إلَى عُمَّالِهِ حتى قُبِضَ ثُمَّ عَمِلَ بِهِ أبو بَكْرٍ وَعُمَرُ حتى قُبِضَا وكان فيه إذَا زَادَتْ الْإِبِلُ على مِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَفِي كل أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وفي كل خَمْسِينَ حِقَّةٌ. غير أَنَّ مَالِكًا قال لَفْظُ الزِّيَادَةِ إنَّمَا تَتَنَاوَلُ زِيَادَةً يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمَنْصُوصِ عليه فيها وَذَلِكَ لَا يَكُونُ فِيمَا دُونَ الْعَشَرَةِ وَالشَّافِعِيُّ قال إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم عَلَّقَ هذا الْحُكْمَ بِنَفْسِ الزِّيَادَةِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِزِيَادَةِ الْوَاحِدَةِ فَعِنْدَهُمَا يُوجِبُ في كل أَرْبَعِينَ بِنْتَ لَبُونٍ وَهَذِهِ الْوَاحِدَةُ لِتَعْيِينِ الْوَاجِبِ بها فَلَا يَكُونُ لها حَظٌّ من الْوَاجِبِ ثُمَّ أَعْدَلُ الْأَسْنَانِ بِنْتُ لَبُونٍ وَالْحِقَّةُ فإن أَدْنَاهَا بِنْتُ مَخَاضٍ وَأَعْلَاهَا الْجَذَعَةُ فَالْأَعْدَلُ هو الْمُتَوَسِّطُ. وَلَنَا ما رُوِيَ عن قَيْسِ بن سَعْدٍ أَنَّهُ قال قُلْت لِأَبِي بَكْرِ بن عَمْرِو بن حَزْمٍ إخرج إلى كتاب الصَّدَقَاتِ الذي كَتَبَهُ رسول اللَّهِ لِعَمْرِو بن حَزْمٍ فَأَخْرَجَ كتابا في وَرَقَةٍ وَفِيهِ فإذا زَادَتْ الْإِبِلُ على مِائَةٍ وَعِشْرِينَ اُسْتُؤْنِفَتْ الْفَرِيضَةُ فما كان أَقَلَّ من خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَفِيهَا الْغَنَمُ في كل خَمْسٍ ذَوْدُ شَاةٍ. وَرُوِيَ هذا الْمَذْهَبُ عن عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ عنهما وَهَذَا باب لَا يُعْرَفُ بِالِاجْتِهَادِ فَيَدُلُّ على سماعها [سماعهما] من رسول اللَّهِ حتى رُوِيَ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ قال ما عِنْدَنَا شَيْءٌ نَقْرَأُهُ إلَّا كتاب اللَّهِ عز وجل وَهَذِهِ الصَّحِيفَةُ فيها أَسْنَانُ الْإِبِلِ أَخَذْتُهَا من رسول اللَّهِ لَا يَجُوزُ أَنْ نخالفها وَرُوِيَ أَنَّهُ أَنْفَذَهَا إلَى عُثْمَانَ فقال له مُرْ سُعَاتُكَ فَلْيَعْمَلُوا بها فقال لَا حَاجَةَ لنا فيها مَعَنَا مِثْلُهَا وما هو خَيْرٌ منها فَقَدْ وَافَقَ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنهما وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْحِقَّتَيْنِ في مِائَةٍ وَعِشْرِينَ ثَابِتٌ بِاتِّفَاقِ الْأَخْبَارِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ فَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُهُ إلَّا بمثله. وَبَعْدَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ اخْتَلَفَتْ الْآثَارُ فَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُ ذلك الْوَاجِبِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْآثَارِ بَلْ يُعْمَلُ بِحَدِيثِ عَمْرِو بن حَزْمٍ وَيُحْمَلُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنهما على الزِّيَادَةِ الْكَثِيرَةِ حتى تَبْلُغَ مِائَتَيْنِ وَبِهِ نَقُولُ أن في كل أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وفي كل خَمْسِينَ حِقَّةٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ الْوَاجِبَ في كل مَالٍ من جِنْسِهِ فَنَعَمْ إذَا احْتَمَلَ ذلك فَلِمَ قُلْتُمْ إنَّ الزِّيَادَةَ تَحْتَمِلُ الْوَاجِبَ من الْجِنْسِ فإن الزِّيَادَةَ لَا يُمْكِنُ إلْحَاقُهَا بِالْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ لِبَقَاءِ الْحِقَّتَيْنِ فيها كما كانت وَمَعَ بَقَاءِ الْحِقَّتَيْنِ فيها على حَالِهِمَا لَا يُمْكِنُ الْبِنَاءُ فَلَا تَكُونُ الزِّيَادَةُ مع بَقَاءِ الْحِقَّتَيْنِ بَعْدُ مُحْتَمِلَةً لِلْإِيجَابِ من جِنْسِهِ فَلِهَذَا صِرْنَا إلَى إيجَابِ الْقِيمَةِ فيها كما في الِابْتِدَاءِ حتى أَنَّهُ لَمَّا كان أَمْكَنَ الْبِنَاءُ مع بَقَاءِ الْحِقَّتَيْنِ بَعْدَ مِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ بَنَيْنَا فَنَقْلنَا من بَنَاتِ الْمَخَاضِ إلَى الْحِقَّةِ إذَا بَلَغَتْ مِائَةً وَخَمْسِينَ فَلِأَنَّهَا ثَلَاثُ مَرَّاتٍ خَمْسِينَ فَيُوجِبُ من كل خَمْسِينَ حِقَّةً وَالله تعالى أعلم.
وَأَمَّا نِصَابُ الْبَقَرِ فَلَيْسَ في أَقَلَّ من ثَلَاثِينَ بقرة [بقرا] زَكَاةٌ وفي كل ثَلَاثِينَ منها تَبِيعٌ أو تَبِيعَةٌ وَلَا شَيْءَ في الزِّيَادَةِ إلَى تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ فإذا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا مُسِنَّةٌ وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فيه بين الْأُمَّةِ وَالْأَصْلُ فيه ما رُوِيَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال ِمُعَاذٍ حين بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ: «في كل ثَلَاثِينَ من الْبَقَرِ تَبِيعٌ أو تَبِيعَةٌ وفي كل أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ». فَأَمَّا إذَا زَادَتْ على الْأَرْبَعِينَ فَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فيه ذُكِرَ في كتاب الزَّكَاةِ وما زَادَ على الْأَرْبَعِينَ فَفِي الزِّيَادَةِ بِحِسَابِ ذلك ولم يُفَسَّرْ هذا الْكَلَامُ وَذُكِرَ في كتاب اخْتِلَافِ أبي حَنِيفَةَ وَابْنِ أبي لَيْلَى إذَا كان له إحْدَى وَأَرْبَعِينَ بَقَرَةً قال أبو حَنِيفَةَ عليه مُسِنَّةٌ وَرُبُعُ عُشْرِ مُسِنَّةٍ أو ثُلُثُ عُشْرِ تَبِيعٍ وَهَذَا يَدُلُّ على أَنَّهُ لَا نِصَابَ عِنْدَهُ في الزِّيَادَةِ على الْأَرْبَعِينَ وَأَنَّهُ تَجِبُ فيه الزَّكَاةُ قَلَّ أو كَثُرَ بِحِسَابِ ذلك. وَرَوَى الْحَسَنُ عن أبي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ في الزِّيَادَةِ شَيْءٌ حتى تَبْلُغَ خَمْسِينَ فإذا بَلَغَتْ خَمْسِينَ فَفِيهَا مُسِنَّةٌ وَرُبُعُ مُسِنَّةٍ أو ثُلُثُ تَبِيعٍ وَرَوَى أَسَدُ بن عَمْرٍو عن أبي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قال ليس في الزِّيَادَةِ شَيْءٌ حتى تَكُونَ سِتِّينَ فإذا كانت سِتِّينَ فَفِيهَا تَبِيعَانِ أو تَبِيعَتَانِ وهو قَوْلُ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ فإذا زَادَ على السِّتِّينَ يُدَارُ الْحِسَابُ على الثَّلَاثِينَاتِ وَالْأَرْبَعِينَات في النُّصُبِ وَعَلَى الْأَتْبِعَةِ وَالْمُسِنَّاتِ في الْوَاجِبِ وَيُجْعَلُ تِسْعَةٌ بَيْنَهُمَا عَفْوًا بِلَا خِلَافٍ فَيَجِبُ في كل ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ أو تَبِيعَةٌ وفي كل أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ فإذا كانت سَبْعِينَ فَفِيهَا مُسِنَّةٌ وَتَبِيعٌ وفي ثَمَانِينَ مُسِنَّتَانِ وفي تِسْعِينَ ثَلَاثَةُ أَتْبِعَةٍ وفي مِائَةٍ مُسِنَّةٌ وَتَبِيعَانِ وفي مِائَةٍ وَعَشْرَةَ مُسِنَّتَانِ وَتَبِيعٌ وفي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ ثَلَاثُ مُسِنَّاتٍ أو [وأربعة] أربعة أَتْبِعَةٍ فَإِنَّهَا ثَلَاثُ مَرَّاتٍ أَرْبَعِينَ وَأَرْبَعُ مَرَّاتٍ ثَلَاثِينَ وَعَلَى هذا الِاعْتِبَارِ يُدَارُ الْحِسَابِ وَجْهُ رِوَايَةِ الْأَصْلِ أَنَّ إثْبَاتَ الْوَقَصِ وَالنِّصَابِ بِالرَّأْيِ لَا سَبِيلَ إلَيْهِ وَإِنَّمَا طَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ النَّصُّ وَلَا نَصَّ فِيمَا بين الْأَرْبَعِينَ إلَى السِّتِّينَ فَلَا سَبِيلَ إلَى إخْلَاءِ مَالِ الزَّكَاةِ عن الزَّكَاةِ فَأَوْجَبْنَا فِيمَا زَادَ على الْأَرْبَعِينَ بِحِسَابِ ما سَبَقَ وَجْهُ رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّ الْأَوْقَاصَ في الْبَقَرِ تِسْعٌ تِسْعٌ بِدَلِيلِ ما قبل الْأَرْبَعِينَ وما بَعْدَ السِّتِّينَ فَكَذَلِكَ فِيمَا بين ذلك لِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِمَا قَبْلَهُ أو بِمَا بَعْدَهُ فتعجل [فتجعل] التِّسْعَةُ عَفْوًا فإذا بَلَغَتْ خَمْسِينَ فَفِيهَا مُسِنَّةٌ وَرُبُعُ مُسِنَّةٍ أو ثُلُثُ تَبِيعٍ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَشْرَةٌ وَهِيَ ثُلُثٌ ثلاثين [وثلاثين] وَرُبُعُ أَرْبَعِينَ وَجْهُ رِوَايَةِ أَسَدِ بن عَمْرٍو وَهِيَ أَعْدَلُ الرِّوَايَاتِ ما رُوِيَ في حديث مُعَاذٍ رضي اللَّهُ عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم: «قال له لَا تَأْخُذْ من أَوْقَاصِ الْبَقَرِ شيئا» وَفَسَّرَ مُعَاذٌ الْوَقَصَ بِمَا بين الْأَرْبَعِينَ إلَى السِّتِّينَ حتى قِيلَ له ما تَقُولُ فِيمَا بين الْأَرْبَعِينَ إلَى السِّتِّينَ فقال تِلْكَ الْأَوْقَاصُ لَا شَيْءَ فيها وَلِأَنَّ مَبْنَى زَكَاةِ السَّائِمَةِ على أَنَّهُ لَا يَجِبُ فيها الْأَشْقَاصُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عن أَرْباب الْأَمْوَالِ وَلِهَذَا وَجَبَ في الْإِبِلِ عِنْدَ قِلَّةِ الْعَدَدِ من خِلَافِ الْجِنْسِ تَحَرُّزًا عن إيجَابِ الشِّقْصِ فَكَذَلِكَ في زَكَاةِ الْبَقَرِ لَا يَجُوزُ إيجَابُ الشِّقْصِ وَالله أعلم.
|